سياحة

السياحة الصحراوية و أهميتها

تعد السياحة الصحراوية والسياحة بشكل عام من القطاعات الرائدة لإحداث التنمية في الدول، فهي تشكل في كثير من البلدان الفقيرة سندا بالغ الأهمية للتنمية الاقتصادية. إذ يمثل هذا القطاع الحيوي بالنسبة لـ 46 من أصل البلدان الـ 49 الأقل تقدماً في العالم المصدر الأول للعملة الأجنبية؛ ووفقا لتقديرات المنظمة العالمية للسياحة WTO فان الدخل الذي تحققه السياحة يضاهي الدخل الناتج من بيع المنتجات النفطية.

وتشكل العائدات الاقتصادية السياحة الصحراوية؛ موارد تذهب مباشرة إلى السكان، فيطال تأثيرها عمق المجتمع المستقبِل مالياً وبشرياً، لما توفره من فرص جديدة للعمل والاستثمار والربح؛ للمستثمر والدولة والمواطن العادي، وتنوع في مصادر الدخل وزيادة في الناتج المحلي الإجمالي، وخلق سوق للمنتجات الزراعية والصناعات التقليدية. ونتيجة لذلك، فقد اعتبرت البلدان الآسيوية التي ضربها المد البحري الزلزالي “تسونامي” في ديسمبر 2005 أن أكبر مساعدة لها إنما تكمن في عودة مكثفة للسياح إليها.

لقد ولَّى الزمن الذي كانت فيه السياحة الدولية حكراً على بعض الميسورين المحظوظين أو الساعيين وراء المغامرة والأحاسيس القوية. وذلك بفضل العولمة التي شملت تأثيراتها هذا القطاع أيضاً؛ فقد باتت السياحة اليوم أكبر قطاع اقتصادي غير حكومي في العالم. وأكبر الأنشطة نموا في العالم، وذلك بمعدل نمو بلغ 5,6 سنويا خلال السنوات العشر الماضية. وفي هذا الإطار، ارتفع عدد السياح في العالم من 541 مليون سائح سنة 1995 إلى 920 سائح عام 2008، وهو عدد من التوقع أن يبلغ 1.6 مليار سنة 2020. وقد سجلت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء سنة 2006 واحداً من أعلى الارتفاعات، وذلك بزيادة تعادل نحو 11 %. أما في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من الحرب في العراق والوضع في لبنان، فقد تم تسجيل ارتفاع في عدد السياح بنسبة 4 % سنة 2006.

وفي موريتانيا يعود الظهور الفعلي للنشاط السياحي إلى سنة 1996، مع انطلاق خط باريس – أطار للرحلات السياحية الجماعية، فقد عرفت الفترة الفاصلة بين سنتي 1995 و1998 تزايد أعداد السياح الوافدين بمعدل 18 %، كما نمت الليالي السياحية المقضاة بواقع 10.1 % خلال نفس الفترة . باختصار، يمكن القول إن السياحة باتت نشاطاً معولَما، وفي نمو دائم ومضطرد عالميا وإقليميا ومحليا.

لكن النمو المطرد للأنشطة السياحية؛ نجمت عنه آثار غير محمودة على المحيط الطبيعي. وينطبق هذا على كل من البلدان الغنية، حيث تساعد زيادة أوقات الفراغ والسياحة على زيادة الضغط على البيئة. وكذا البلدان الفقيرة حيث إن تنمية السياحة موجهة لتخدم أغراضا اقتصادية بحتة؛ مثل جلب العملة الأجنبية، وتوفير فرص العمل، وحيث تعامل المواقع الطبيعية كمنتجات استهلاكية.

وقد ظهر مفهوم الاستدامة في الميدان السياحي أوائل 1988 حين اقترحته المنظمة العالمية للسياحة، وكان يتوقع من السياحة المستدامة ”أن تؤدي إلى إدارة جميع الموارد بطريقة تتيح تلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والجمالية مع الحفاظ في الوقت ذاته على سلامة الثقافة، والنظم الايكولوجية الأساسية، والتنوع البيولوجي“.

وفي هذا الإطار يمكن تعريف السياحة المستدامة بأنها “إرادة وممارسة للتنمية السياحية وللأنشطة الترويحية في بلد أو منطقة أو وجهة سياحية بحيث تدمج قواعد التنمية المستدامة وتحترم الناس والثقافات والاقتصاد المحلي في الأقاليم المستقبلة. من هنا فإنه يمكن تحسين نوعية المنتوج السياحي لصالح جميع الأطراف المعنية، مع ضمان إمكانية الأجيال الحالية والمستقبلية في الاستفادة من الوجهات السياحية”(  ).

ولعل الإشكاليات البيئية المتصلة بنمو السياحة تبدو أكثر وضوحا وإلحاحا في الأقاليم الصحراوية الحارة، وهو ما يسعى هذا العمل إلى مقاربته، حيث يشتمل على ثلاثة محاور: يرمي أولها إلى محاولة ضبط بعض المفاهيم الأساسية مثل البيئة والنظام البيئي والنظم البيئية الصحراوية والسياحة البيئية، بينما يتناول المحور الثاني المقومات السياحية الطبيعية والبشرية في البيئة الصحراوية، في حين يهتم المحور الثالث بعرض بعض الآثار البيئية السلبية للسياحة الصحراوية.

أولا – مفاهيم ومنطلقات:

يلزمنا في البداية توضيح بعض المفاهيم من قبيل لفظة البيئة والنظام البيئي والنظم البيئية الصحراوية والسياحة البيئية.

1. البيئة :البيئة لفظة شائعة الاستخدام، شأنها في ذلك شأن مصطلح الإيكولوجياEcology الإغريقي الأصل، والذي يتألف من الناحية الاشتقاقية من مقطعين:Oicos وتعني المسكن أو الموطن وLogos وتعني علم، وترجمت إلى العربية بعبارة “علم البيئة”). وقد وضع المصطلح العالم الألماني آرنست هيكل (1834 – 1919)Ernst Haeckel ، وعرفه بأنه “العلم الذي يدرس علاقة الكائنات الحية بالوسط الذي تعيش فيه”(. ويهتم هذا العلم بالشبكة المعقدة من العلاقات بين الكائنات الحية والمحيط الذي تحيى فيه. من حيث تغذيتها، وطرق معيشتها وتواجدها في مجتمعات أو تجمعات سكنية أو شعوب، كما يتضمن أيضاَ دراسة العوامل غير الحية مثل خصائص المناخ (الحرارة، الرطوبة، الإشعاعات، غازات المياه والهواء) والخصائص الفيزيائية والكيميائية للأرض والماء والهواء.

وتعرف بعض القواميس الجغرافية البيئة بكونها: “مجموع العناصر المادية والكيميائية والبيولوجية والعوامل الاجتماعية المؤثرة بشكل من الأشكال على الكائنات الحية وعلى الأنشطة البشرية”. وهناك من يعرف البيئة environnement بأنها: “المكان وما يتميز به من ظروف يعيش تحتها الكائن الحي وتحيط به”.

إن مفهوم البيئة يشمل جميع الظروف والعوامل الخارجية التي تعيش فيها الكائنات الحية وتؤثر في العمليات التي تقوم بها. فالبيئة بالنسبة للإنسان- “الإطار الذي يعيش فيه والذي يحتوي على التربة والماء والهواء وما يتضمنه كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة من مكونات جمادية، وكائنات تنبض بالحياة. وما يسود هذا الإطار من مظاهر شتى من طقس ومناخ ورياح وأمطار وجاذبية ومغناطيسية..الخ ومن علاقات متبادلة بين هذه العناصر. فالحديث عن مفهوم البيئة إذن هو الحديث عن مكوناتها الطبيعية وعن الظروف والعوامل التي تعيش فيها الكائنات الحية.

إن معطيات البيئة خاصة الطبيعية، وإن كانت تبدو مستقلة عن بعضها إلا أنها ليست كذلك قطعا في واقعها الوظيفي، فهي أولا في حركة ذاتية دائبة من ناحية، وحركة توافقية مع بعضها البعض ضمن نظام معين من ناحية أخرى، وهو ما يدعونا إلى تحديد النظام البيئي.

2- النظام البيئي: عرف مفهوم النظام البيئي (Ecosystème) عدة تعريفات وظهر تحت مسميات عديدة في الأدبيات العلمية في القرن التاسع عشر. على أن استخدام هذا المصطلح يعود إلى تانسلي 1945 الذي عرفه بأنه: <<نظام يشتمل، إضافة إلى الكائنات الحية، على مجموعة معقدة من العوامل الطبيعية التي تشكل ما يعرف بالبيئة” غير أن تانسلي لم يعط النظام البيئي بعدا مكانيا الأمر الذي استدركه تعريف لندمان 1943 الذي يعتبره: “نظام يشتمل عمليات طبيعية وكيمائية وبيولوجية نشطة في وحدة مكانية / زمانية في أي حجم أو مستوى”.

أما أودوم 1959 فعرف النظام البيئي بأنه “أي مساحة أرض طبيعية تحتوي على كائنات حية ومواد غير حية تتفاعل لأجل إنتاج وتبادل المواد بينها، ورأي أن النظم البيئية يمكن أن تفهم وتدرس في جميع الأحجام. لذلك يعطينا فوسبرغ 1967 تعريفا أحدث وهو أن “النظام البيئي نظام وظيفي يحتوي على واحد أو أكثر من الكائنات الحية وبيئاتها الطبيعية والحيوية الفاعلة”. وهو تعريف قريب مما نجده في بعض القواميس الجغرافية التي تعتبر النظام البيئي “جملة العلاقات والتفاعلات التي ترتبط من خلالها المكونات الحية بوسط طبيعي معين”، أو “جماعة من الكائنات الحية تعيش على نظام الاكتفاء الذاتي، مع الوسط العضوي أو غير العضوي الذي تعيش فيه”

ولا يخلو مفهوم النظام البيئي على ما يبدو من غموض والتباس، إذ أن له معنى وظيفيا للبعض، ومعنى مكانيا للبعض الآخر، بينما تصر فئة ثالثة على توافر قدر معين من التجانس بجانب البعد المكاني، لذلك نركز هنا على النظم البيئية الصحراوية.

3- النظم البيئية الصحراوية ) السياحة الصحراوية : توجد اختلافات عالمية حول مفهوم الصحراء وإن كان المصطلح يوحي دائما بالجفاف، لذلك فإنه ليس ثمة اتفاق حول ماهية البيئة التي يمكن أن يطلق عليها جافة وماهية التدرجات داخل المفهوم جاف. وهذا هو أحد أسباب اعتبار أن مصطلح صحراء مصطلح غير دقيق وغير محدد(

غير أن المعاجم الجغرافية العربية؛ تمدنا بمحاولات لتعريف مصطلح الصحراء Désert الذي يعني “منطقة كبيرة من الأرض تكاد تكون جدباء. وهي إما حارة ذات مطر قليل جدا مثل صحراء جوبي في آسيا، وإما شديدة البرودة مثل القارة القطبية، وهي في العادة أرض ذات مطر نادر ونبات نزر” فحياة النبات والإنسان في الصحراء يحدها تطرف درجة الحرارة وقلة موارد المياه.

وتندرج الصحاري ضمن منظومة الأراضي الجافة التي تتميز بانخفاض هطول الأمطار وارتفاع معدلات التبخر وتحتل 41% من مساحة اليابسة علي الأرض وتؤوي أكثر من ملياري نسمة، 90% منهم في بلدان نامية ويعيش نصف فقراء العالم في مناطق جافة حيث يعتمدون علي موارد الطبيعة للحصول علي حاجاتهم الأساسية. وغالبا ما تحرم المجتمعات المحلية من فوائد الموارد المحلية الأخرى مثل المعادن المستخرجة والمقاصد السياحية.

4- السياحة البيئية: تعني السياحة بمفهومها العام نشاطا خدميا يستغل جمال الطبيعة ومواردها الطليقة مثل السياحة الصحراوية (مشاهد طبيعية، شمس، بحر، جليد …) والمعالم الأثرية، ومختلف تقنيات الفندقة والاستراحة والترفيه قصد جلب الزوار والراغبين في التسلية وقضاء العطل مما يساهم في تكوين حركية اقتصادية موسمية أو دائمة ترتبط بالنشاط السياحي

أما مصطلح السياحة البيئية او السياحة الصحراوية (ECO – TOURISM) فقد ظهر منذ مطلع الثمانينات وهو مصطلح حديث نسبيا جاء ليعبر عن نوع جديد من النشاط السياحي الصديق للبيئة الذي يمارسه الإنسان محافظا على التراث الفطري الطبيعي والحضاري للبيئة التي يعيش فيها ويعرّف الصندوق العالمي للبيئة السياحة البيئية بأنها “السفر إلى مناطق طبيعية لم يلحق بها التلوث ولم يتعرض توازنها الطبيعي إلى خلل، وذلك للاستمتاع بمناظرها ونباتاتها وحيواناتها البرية وحضارتها في الماضي والحاضر”

كما يمكن تعريف السياحة البيئية على أنها “عبارة عن زيارات مسؤولة بيئيا لمناطق طبيعية غير  ممهدة إلى حد ما بغرض التمتع بالطبيعة ودراستها وتقديرها، بالإضافة إلى أي مزارات ثقافية مصاحبة سواء من الماضي أو الحاضر، وهي تعمل على تنمية حماية الطبيعة وأثر الزائر منخفض وتعمل على مشاركة اقتصادية واجتماعية للمجتمع المحلي

لم يكن لصناعة السياحة البيئية وجود قبل 50 سنة، ولا تعريف قبل 20 سنة، وربما كانت الآن هي الصناعة الأسرع نموا في العالم. ظل الناس دائما راغبين في الدفع مقابل امتياز الاستمتاع بالأماكن والأشياء ذات القيمة العظيمة؛ أو لزيارة العدد المزدهر من متاحف الفنون في العالم. إن السفر لرؤية البراري – الغابات المطيرة أو التندرة (محمية الحياة البرية القطبية الشمالية)، أو غابات السكوية، وحتى الشعاب المرجانية تحت البحر – هو مجرد توسع للسياحة قريبا وبعيدا.

وتساهم سياحة البيئة في حماية البيئة والمحيط وتشارك السكان المحليين لمنطقة ما في الحفاظ على الطبيعة والتنوع البيولوجي فهي تمثل التقاء الأهداف الترفيهية والتعليمية والطبيعية، مثلها مثل بقية الأصناف الأخرى من السياحة (الثقافية، الرياضية…). وقد تطورت منذ فترة السبعينات في إطار التوجه الذي يسعى لحماية البيئة. فالهدف الأول للبيئانية هو تعليم قيمة الطبيعة لأسباب لا تتعلق كثيرا بالسياحة بل بتحفيز المحافظة على البيئة. ومن بديهيات ذلك التحفيز، نجد الرغبة في تقدير الطبيعة حق قدرها وفقا لشروط الطبيعة نفسها؛ فهناك جيل بيئي صاعد سيقيم البراري والأنظمة البيئية المتكاملة عموما، وسيدفع مقابل زيارتها وتقديرها. وتتمثل المنفعة الهائلة التي تقدمها السياحة البيئية للبيئة العالمية في أنها تقدم توظيفا بديلا، ومربحا للغاية، للدول النامية التي اقتصرت على الزراعة الأحادية المدمرة للبيئة 

ولسياحة البيئة ( ECO – TOURISM) ثلاثة أبعاد؛ فهي سياحة تتمحور حول الطبيعة، ولها دور تربوي بيداغوجي، وهي كذلك نشاط مستديم durable. فهي في علاقة متواصلة وتبادلية مع المحيط والتراث الطبيعي؛ تسعى لحماية هذا التراث من المخاطر التي تهدده مثل الاستغلال المكثف للمجالات الطبيعية من خلال النشاط الرعوي أو الاكتساح العمراني للفضاءات الطبيعية … وغيرها. فماذا تقدم البيئة الصحراوية الموريتانية لزوارها من السياح ؟

طالع ايضا : كل ما تود معرفته عن مدينة لاس فيغاس

مفهوم السياحة الصحراوية 

ﺗﻌـﺪّ اﻟﺴـﻴﺎﺣﺔ اﻟﺼﺤﺮاوﻳـﺔ أﺣـﺪ أﻫـﻢ أﻧـﻮاع اﻟﺴـﻴﺎﺣﺔ وذﻟـﻚ ﻟﺘﻨﻮّﻋﻬـﺎ ﻣـﻦ ﺟﻬـﺔ، وﻟﻺﻗﺒـﺎل اﻟﺸـﺪﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬـﺎ ﻣــﻦ ﺟﻬــﺔ أﺧــﺮى ﻣــﻦ أﻧﺤــﺎء اﻟﻌﺎﻟــﻢ ﻛﺎﻓــﺔ، ﺣﻴــﺚ ﻳﺘّﺴــﻢ ﻫــﺬا اﻟﻨــﻮع ﺑﺠﺎذﺑﻴــﺔ وﺧﺎﺻــﺔ ﻟﻬــﻮاة اﻟﻄﺒﻴﻌــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻤﺤﻤﻴــﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴــﺔ وﺧﺎرﺟﻬــﺎ، وﻣــﺎ ﺗﺤﻮﻳــﻪ ﻣــﻦ ﻧﻘــﺎء وﺟﻤــﺎل وﻛﻨــﻮز ﺟﻴﻮﻟﻮﺟﻴــﺔ وﺗﻜﻮﻳﻨــﺎت .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *