تعليم

الصيرفة الإسلامية بديل للصيرفة البنكية الربوية

الصيرفة الإسلامية – إن مجال البحث في الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية واسع ومتشعب، ويحتاج للكثير من الآراء والاجتهادات التي بدورها تكون بذرة لمجالات بحثية جديدة ساعد في شرح وبيان للكثير من المناطق والأركان المظلمة في الفقه والمعاملات الإسلامية التي مازال يشوبها الكثير من الغموض والمحاذير الشرعية. فمثلاﹰ نجد أن النظر الفقهي المعاصر قد استقر على تكيف المصرف “مضاربا مشتركا” له مركز مزدوج؛ فهو عامل مضاربة تجاه أرباب المال وهو في الوقت نفسه “رب مال” إزاء عمال المضاربة، وقد ﹼمكن هذا التوصف والتكييف نظريا من أمرين:

 هو تسويغ ضمان المصرف للودائع الاستثمارية.

الثاني: هو تسويغ اشتراك المصرف في أرباح المضاربات التي يفوضها إلى الغير.

ولكننا نجد أن الكاتب في بحثه عن هذا الموضوع وبعد القراءة المتأنية للفقه الحنفي في هذا الموضوع قد خرج بالآتي:

أ-تبني الآراء التي تقول: بتضمين عامل المضاربة لا لتعدي أو تقصير، إنما لمجرد أنه يفوض المضاربة ولو كان ذلك بإذن رب المال وإقراره، وذلك حتى يكون ربحه مبرراﹰ لأن الربح يستحق بالمال ويستحق بالعمل، وعامل المضاربة الأول ليس منه مال وليس منه عمل فلا مسوغ إذاﹰ لإشراكه بالربح إلا بتضمينه، وهو منطق يعكس منطق الحديث:

“الخراج بالضمان” ليكون الضمان بالخراج.

ب-ثم كان القياس على الأجير المشترك الذي نسب إلى الأحناف أيضاﹰ إمكانية تضمينه ما يتلف بيده.

ج-ثم كان القياس على فكرة تقبيل العمل كمن استأجر من يخيط له ثوباﹰ بدرهم ﹼفقبله ذاك لمن ينجزه بنصف درهم واستحل النصف الآخر.

أما عملياﹰ فقد أشار الكاتب إلى أن المصرف صار يضمن الودائع من خلال إتاحة إمكانية سحبها للمودعين متى شاءوا بشرط تخليهم عن “الربح”، ومن خلال صندوق الاحتياطي الذي يمول من الاستقطاعات المتوالية من الأرباح، وبهذه الاحتياطات ﹸتجبر الخسائر، وتضمن تدفقات منتظمة من الأرباح توزع على المودعين.

كذلك ذكر أن اغلب المصارف الإسلامية استغنت عن تفويض المضاربة وذلك باعتماد بيوع المرابحة للآمر بالشراء مع الوعد الذي غالبا ما كان ملزما.

وبالعودة إلى الناحية النظرية، نجد إن التصور السابق قد ابتعد كثيرا عن أحكام المضاربة التي استقرت في مدارس الفقه المختلفة سواء فيما يتعلق بضمان رأس مال المضاربة أم باشتراك عامل المضاربة الذي يفوضها بالربح، وبعيداﹰ عن منطق التخطئة والتصويب، وبعيدا عن منطق التلفيق الفقهي أيضا، يرى الكاتب أن المصرفية الإسلامية المعاصرة تستطيع أن تزاول نشاطها ملتزمة بأحكام فقه المضاربة، بل وبما هو متفق عليه من أحكام فقه المضاربة في المدارس الفقهية الأم.

ولتعضيد ما ذهب إليه أورد الكاتب مثالاﹰ لمصرف إسلامي افتراضي، فيه ثلاثة مسارات للنشاط الاستثماري:

المسار الأول : الصيرفة الإسلامية

يعنى باستثمار أموال المصرف الخاصة والأموال التي يضمنها المصرف، أي الحسابات الجارية التي يرغب في استثمارها، فهذه الأموال يستطيع المصرف أن يدفعها إلى من يضارب بها، ويكون هو رب مال حقيقي وعامل المضاربة هو عامل مضاربة فعلي، والربح بينهما بحسب ما يتفقان عليه، وهذه صورة المضاربة الفقهية المجمع على جوازها، وهذه الصيغة تحفز المصرف ليحسن اختيار مضاربيه واختيار مجالات الاستثمار التي ينشطون فيها وتستنهض قوامته حرصا على أمواله والأموال التي يضمنها.

المسار الثاني:

ويعنى هذا المسار باستثمار أموال المودعين (أصحاب الودائع الاستثمارية)، والمصرف هنا يكون هو عامل المضاربة حقيقة لا يفوضها إلى الغير، إنما يجتهد في استثمار هذه الأموال وله نسبة شائعة معلومة من الربح حال ظهوره ولا يضمن هذه الأموال البتة، وستكون ثقة الجمهور بكفاءته هي ضمانتهم الوحيدة، وسيكون ذلك حافزا أيضا يدفع المصرف صعودا في مدارج الكفاءة.

ويمكن للمصرف أن يبوب حزمه الاستثمارية بحسب الآجال: قصيرة ومتوسطة وطويلة، أو بحسب مجال النشاط، والمودع (المستثمر) يختار الحزمة الاستثمارية التي يريد ويلتزم بنتائجها، ولا يحق له سحب ماله إلا بالتنضيض الفعلي، وبذلك يكون عزو الربح ممكناﹰ على وجه الحقيقة، ويكون تباين هذه الأرباح في الحزم الاستثمارية مسوغا باختلاف درجات المخاطرة واختلاف آجال الاستثمار.

وبذلك يمكن تجنب المآل الذي آلت إليه محاسبة الأرباح وما فيها من مشاكل لمحاسبة الفوائد في المصارف التقليدية؛ إذ لا تعود هناك أي اعتبارات عملية تحدد نصيب الوديعة من الربح إلا حجم هذه الوديعة والمدة التي تقضيها في المصرف!!.

وهنا يمكن لآلية التسهيم أو التصكيك: إصدار الأسهم وتداولها وفق الضوابط الشرعية أن تسهل عمل المصرف الإسلامي في حشد المستثمرين (الممولين)، وفي إدارة المشاركة ومحاسبتها على أسس واقعية.

المسار الثالث:

وفي هذا القسم يكون نشاط المصرف محصوراﹰ بتعريف أصحاب الودائع الاستثمارية بعمال المضاربة، ويعنى أيضا بمسك حساباتهم وإنجاز دراسات الجدوى التي يكلفوه بها، وأي خدمات أخرى يطلبونها مقابل أجور مضمونة لا علاقة لها بالمخاطرة أو بالضمان.

وهكذا يكون المصرف في القسم الأول رب مال حقيقة وفي القسم الثاني عامل مضاربة حقيقة، وفي القسم الثالث أجيراﹰ مشتركاﹰ حقيقة. وبهذا أيضاﹰ يتحول المصرف إلى آلية مفرّخة للاستثمار الحقيقي وحاضنة له، وبذلك أيضا تتحقق رسالته وأهدافه الخاصة والعامة.

قدم الكاتب تصور بديل للتعامل في المصارف الإسلامية بدت أكثر جدية في إعادة النظر في منظومتها العقدية تلك، وفي تقديره فإن التصور البديل يتيح:

1/ إعادة إنتاج قيم الاستثمار الإسلامي سواء بالنسبة لأصحاب الودائع الاستثمارية ام بالنسبة للمصرف.

2/ المشاركة في تحمل المخاطر فلا تعود الصيرفة الإسلامية مجرد عجلة ناقلة للمخاطر من خلال المداينات التي تتذرع إليها بالبيوع والإجارات الغائية التي ﹸصممت عقودها خصيصا لهذا الغرض.

3/ ولما تقدم فإن كل الآثار السلبية للتمويل الربوي، التي تم رصدها فيما تقدم سنكون منها في مأمن.

4/ مشروعية المطالبة بوضع قانوني جديد للمصارف الإسلامية يتناسب مع طبيعة نشاطها المأمول سواء أكان استثماريا أم تجاريا حقيقيا بعيدا عن الوضع القائم الذي يقزمها في إطار الوساطة المالية.

5/ التعامل مع متطلبات الصيرفة الشاملة بمرونة كافية، ولا شك أن جهدا نظريا وعمليا كبيرا سيكون بانتظار الصيرفة الإسلامية والمعنيين بهمومها، لكنه جهد لا بد منه لإحراز الذات وتصويب المسار والاستعداد لأنواء العولمة. 

6/ تعرية المنافسة الطفيلية التي تمثلها النوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية، هذه النوافذ التي لا تعدو أن تكون حيلة أخرى للاستحواذ على المال الإسلامي وعلى العميل المسلم.

7/ إن الالتزام بهذا التصور البديل سوف يعيد للمصارف الإسلامية ولاء جمهورها وولاء منظريها خاصة جيل الرواد، بل وسيجند لها حواريين مخلصين ويحصنها من سهام الناقدين.

طالع ايضا: حروف الجر في اللغة العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *